الديانة عن المصريون القدمان ومفهومها :-
أن كلمة الدين كما وردت فى المعاجم اللغوية تأتى لتطلق على كل ما يتدين به ولما عبد الإنسان المصري القديم العديد من الآلهة سواء فى الهيئة الآدمية كانت أو فى الهيئة الحيوانية ولابد أن نشير أن هذا اللفظ يرد على الناقدين للدين المصري الذي اتهم بالفساد الديني والأسطورة وأن الدين المصري لا يمت للعقيدة بشيء
ولكن لابد أن نشير أن الديانة المصرية القديمة مثلها مثل أى ديانة أخرى لاحقة لها فى دوافعها وأسباب ظهورها فلقد كانت الديانة المصرية تقوم على أساس من الخوف بسبب الثواب والعقاب والخوف من كل ما هو مجهول فى الهيئة الخفية الغير مرئية بالنسبة له أو واضحة فى صورتها بالرغم من ذلك إلا أنه أمن بوجود قوة خفيفة تشرق على كل أفعاله فيما عرف ذلك تحت اسم الإله ntr حيث أنه جمع كل ما اعتقد فيه على كونه إله سواء فى هيئة حيوانية أو جما دية أو صورة من الظواهر الطبيعية وان كان هذا المعنى لكلمة أله غير كامل ولعل السبب فى ذلك هو الضعف اللغوى الذي كان يحيط باللغة المصرية القديمة فى بداية ظهورها )
ومن هنا فلقد بداء فى التقرب إلى هذه الإلهة وذلك أما لالتقاء شرها فى بعض الأحيان أو التقرب إليها فى بعض الأحيان الأخرى حيث أنه كان يعتقدان هذه الآلهة أما مساندة له أو معادية له فنلاحظ أنه على سبيل المثال أنه اتخذ من البقرة معبودة له نظرا لأنها تتميز بالعطف والحنان والخير الذي يتواجد بها كما اتخذ من التمساح اله أيضا له وذلك لاتقاء شره حيث كان يصيب الإنسان بالفزع والخوف
ولما كان المصريون قوما من نوع خاص فيما يتصل بالأمور الدينية وكل مل يحيطه به فلقد أظهروا شتا أنواع العقيدة وأظهروا تمسكا بها فى العصور المختلفة من المعبودات التى ظهرت فى صورها المختلفة والمتعددة.
من الحيوانات والطيور والأسماك والزواحف والقوى الخفية كما أن الإنسان بصورة عامة وكان يعبر عن مشاعره الدينية بتكرار سلسلة من الأحداث المتعاقبة لتكون شكل من أشكال العبادة فنلاحظ أنه عمل على إقامة المعابد لتكون منزل للمعبودات ويمكن أن نقارنها مع الديانات السماوية مع الحفاظ على الفارق الكبير فيما بينهم فنلاحظ أن المسلم كان يقيم المسجد والمسيحى يقيم الكنيسة.
كما أننا نلاحظ أن الإنسان المصري القديم فى تفكيره بالآلهة لم يجعل وجودها سر مديا ولكن نلاحظ أن النصوص الدينية المختلفة أشارت فى العديد من الأوضاع إلى أن الآلهة تولد وتموت وأن الأزمنة لها بداية ونهاية فنلاحظ على سبيل المثال نلاحظ أنه ورد فى كتاب التوابيت :
" كنت بمفردي فى المحيط الأزلي جامدا وبدون أى حركة ........ ولم يكن أرباب الجيل الأول قد وجدوا بعد وكانوا معي "
وفى كتاب الموتى عند شكوى خالق الأرباب الأكبر إلى المعبود خنوم عن ما يفعله أبناءه من الآدميون والآلهة فنلاحظ أن تحوت يرد عليه قائلا :
" لا يجب أن تقبل ذلك اقتصر سنوتهم واختص من شهورهم )
وهذا يدل على أن الآلهة كان لها موعد للميلاد والموت وقام رب الأرباب وحده بوضع هذه السنون لحياتهم
ومن هنا نلاحظ أن مفهوم الديانة المصرية القديمة مثلها مثل غيرها من الديانات الأخرى وقامت على الإيمان بالآلهة والتمسك بها والتطلع فيما حولهم للوصول إلى جميع صور الآلهة وأن لم يهتدوا إلى الإله الواحد الله سبحانه وتعالى بخلاف ما حدث فى الديانات السماوية فنلاحظ مثلا سيدنا إبراهيم عندما بدأ يتأمل فى الكون ليبحث عن ربه فنظر إلى السماء والشمس والقمر على أنها هى الرب وظل هكذا حتى توصل إلى الإله الواحد الله سبحانه وتعالى
العوامل التى أدت إلى ظهور الديانة :-لقد استطاع الإنسان أن يميز نفسه عن الحيوان بصفات عدة استمدها فى أول الأمر مما يحيط بالحيوان من انفعالات فصراخ الحيوان ومناداة الذكر للأنثى تطورتا عن الإنسان وجعل منها لغة التخاطب كما أن غريزة التجمع عند الحيوان من قطيع هى التى دفعت الإنسان إلى إنشاء الأسرة ومنها تكونت الدولة أمام ذلك الدافع المبهم عن الحيوان للإبقاء على النسل فهو الذي أنمى العاطفة ودفع الإنسان إلى الزواج كما أن الشعور العزيزى بالخوف والفزع عن الحيوان من كل ما هو مجهول سببا دفع الإنسان إلى الاحترام لكل القوى التى تؤثر فى حياته دون أن يتعرف عليها ومن هذا الشعور بعينيه نشأت الديانة التى لم تكن إلا الاعتقاد المسيطر على ذهن الإنسان من أن هناك قوى تحيط بالإنسان وتؤثر فيه ومع أن الإنسان لم ير هذه القوى إلا أنه كان يعتقد فى وجودها وكون فى مخيلته صورا لها )
ولعل أيضا الأحلام كان من أهم العوامل التى أدت إلى الإيمان بالإله والإيمان بالعالم الأخر)
كما أننا نلاحظ أن إيمان الإنسان المصري القديم بفكرة البعث والخلود كان أحد أهم الأسباب التى أدت إلى إيمان بالآلهة وتواجيها )
كما أن الصدفة وحدها هى التى شكلت هذه الآلهة فنرى الإنسان يتمثل معبودا معينا على أنه إله واحد وأحيانا يتمثل على أنه معبودا أخر وأنه عبارة عن عدة إلهة كما أعطى البعض من معبودات شكلا مجسما ورأى البعض الأخر أنها أشياء روحانية غير مجسدة )
تطور الديانة المصرية القديمة :-
لقد عاشت الديانة المصرية حتى ذلك العهد إلى حوالي 1500 سنة وانتشرت بين أقاليم مصر كلها واستقلت كل عبادة عن الأخرى ولقد كان لكل مدينة إلهها الخاص واتخذت هذه الآلهة أشكالا حيوانية أو غير حيوانية فإلهة القطة " باستت " قدست فى تل بسطة بالقرب من الزقازيق وإله الصل " وجو " وعبد فى مدينة بوتو " تل الفراعنة " وعبد أبو منجل فى هرموبوليس مركز الأشمونين بالمنيا ولقد ظهرت هذه الآلهة فى الرسوم والتماثيل المصرية القديمة بأجسام آدمية ورؤوسا حيوانية وهناك تفسيرات لهذا المعتقد :
أولهما : أن المصريين كانوا يميلون أشد الميل إلى المحافظة على تقاليدهم وعلى ما فيهم وكانوا مرتبطين ارتباطا وثيقا بالوطنية المحلية وحاولوا كثيرا إيجاد صلة كبيرة بين إلههم المحلى والبيئة التى يعيش فيها وناضلوا ضد منع الخلافات الشخصية
ثانيهما : أن المصريون القدماء منذ منشأ تفكيرهم الديني حاولوا توحيد العبادة ولم يكن ذلك فقط نحو اعتبار إله المدينة إلها واحدا وأنه أصبح قادرا على كل شئ ولكن اتجهوا إلى مطابقته مع الآلهة الخاصة ببعض المدن الأخرى وقد تركوا لها من الأدلة ما يثبت اتجاههم نحو هذه المطابقة )
وبالرغم من أنه من المألوف عن القدماء المصريون أنهم كانوا أمة محافظة بدرجة عظيمة ولا ريب فى صحة ذلك فقد تمسك المصريون كل التمسك بالعادات والأخلاق التى توارثوها عن أجدادهم الأولين بيد أنه لا يستنتج من ذلك أن المدينة المصرية كانت عقيمة قاحلة وأنها بقيت راكدة مدة الألف من السنين ولم يدخل عليها أى تكدس ولكن من الواقع أننا نشاهد من لغة المصريون وحتى كتاباتهم وآدابهم وحياتهم السياسية وفنونهم وصنعاتهم تقدما محسوسا مستمرا حقا
ومرت السنون وتقدمت مصر نحو الاتحاد وتكونت من مقاطعاتها المختلفة دولتان كبيران احدهما فى الدلتا وأخرى فى الصعيد وبدأت فى الإتجاة إلى الوحدانية وتكوين الأسرات ومن هنا كان من الضروري الأتجاة لاتخاذ اله واحد مع الإبقاء على باقي الآلهة وهو ما أطلق عليه عبد العزيز صالح اسم وحدانية الربوبية وظلت مصر فى مثل هذا الوضع حتى جاءت حركة إخناتون للتوحيد المطلق لعبادة معبود واحد هو أتون )